مُزَارِعٌ فَاشِلٌ فِي بُستَانِ الحُبِّ
كُنتَ فِي قَلبي
الآخِرَ وَالأوَّلا
أيَا مُزارِعًا فاشِلًا
في بُستَانِ الحُبِّ
تَشكُوكَ
شُجَيرةُ لِقائِنا المُتيَّمة
يَشكُوكَ
النَّدى وقُبلاتُنا المُبلَّلة
يَشكُوكَ
فَرَاشُ الاشتِياقِ
تَشكُوكَ
زُهُورُ عِناقِنا المُدلَّلة
ألَسْتَ مَنْ وَأَدَ البسمَةَ
ألَسْتَ مَنْ سَبَى الفَرحَةَ
ألَسْتَ مَنْ ذبَحَ الحُبَّ
فِي رُوحِي
وَحَلَّلا؟
فبِاللهِ يَا ظَالِمي خَبِّرنِي:
مَنْ زرَعَ الأشوَاكَ
فِي بُستانِ قَلبي
وَهَلَّلا
أَيَحِقُّ لهُ أنْ يعجَبَ
إنْ لمْ يقطِفْ مِنهُ يومًا
قَرَنفُلا؟!
ميَّادة مهنَّا سليمان
17/9/2019
قراءة نقديّة بقلم الأستاذ الطّيّب جامعي
قراءة للنّصّ الشّعريّ "مزارع فاشل في بستان الحبّ".
----ا------
النّصّ
مُزَارِعٌ فَاشِلٌ فِي بُستَانِ الحُبِّ
وَأنتَ فِي قَلبي
الآخِرَ وَالأوَّلا
أيَا مُزارِعًا فاشِلًا
في بُستَانِ الحُبِّ
تَشكُوكَ
شُجَيرةُ لِقائِنا المُتيَّمة
يَشكُوكَ
النَّدى وقُبلاتُنا المُبلَّلة
يَشكُوكَ
فَرَاشُ الاشتِياقِ
تَشكُوكَ
زُهُورُ عِناقِنا المُدلَّلة
ألَسْتَ مَنْ وَأَدَ البسمَةَ
ألَسْتَ مَنْ سَبَى الفَرحَةَ
ألَسْتَ مَنْ ذبَحَ الحُبَّ
فِي رُوحِي
وَحَلَّلا
فبِاللهِ يَا ظَالِمي خَبِّرنِي:
أَمَنْ زرَعَ الأشوَاكَ
فِي حَقلِ قَلبي
وَهَلَّلا
يَحِقُّ لهُ أنْ يعجَبَ
إنْ لمْ يقطِفْ مِنهُ يومًا
قرنفُلا؟!
ميَّادة مهنَّا سليمان/ سورية
----ا-----
القراءة
**شعريّة المعنى**
لأنّ "خير الأعمال خواتمها" فإني سأنظر في هذه القصيدة ممّا انتهت به.
أَمَنْ زرَعَ الأشوَاكَ
فِي حَقلِ قَلبي
وَهَلَّلا
يَحِقُّ لهُ أنْ يعجَبَ
إنْ لمْ يقطِفْ مِنهُ يومًا
قرنفُلا؟!
القصيدة خُتِمت باستفهام، غيرأنّه، على خلاف الأصل، لم يكن استخبارا عن شيء مجهول، بل كان الغرض منه تعبيرا عن موقف تجاه المُحبّ. فهو ليس إلّا نوعا من التعجّب و الاستنكار. فالمحبوب في نهاية هذه القصيدة يُنكِر على المُحبّ سلوكَه. و يتحوّل هذا الاستنكار إلى نوع من الحجاج. و المعنى، و الحال تلك، " أنّه لا يحقّ له "العجب" إن لم يجنِ من ثمار الحبّ شيئا لِعِلَل أطنبت في ذكرها سابقا..
قفلة الختام تُعَدّ بمثابة " لحظة تنوير" في النّصّ السّرديّ القصصي. فكلّ لَبِنَات الملفوظ الشّعري تتتالى، و تَبني أنماطا من الوشائج و العلاقات المشحونة، حتّى إذا ما "بلغ السّيل الزُّبَى" أُفْرِغَت كاملُ الشُّحنة في تلك اللّحظة من العتاب و الاستنكار و الإفحام القائم على المقارعة بالحجّة القويّة.
بدأت القصيدة بإخبار المُحبّ، و المتلقّي عموما، بحالة/حقيقة: و هي
وَأنتَ فِي قَلبي
الآخِرَ وَالأوَّلا
إنّ المحبّ من هذا المنطلق أضحى قطعة من المحبوب، جزءا لا ينجزّأ منه في ما يشبه "الاتحاد و الحلول" بالمفهوم الصّوفي.
غير أنّ المحبوب (و القارئ عموما) سرعان ما يُصدَم بحقيقة تالية أخرى
أيَا مُزارِعًا فاشِلًا
في بُستَانِ الحُبِّ
تعتمد الشاعرة هنا على أسلوب النداء باستعمال الأداة "أيا" الدّالة على البُعد، سواء أ كان مادّيّا أو معنويّا. إذن بين المنادى و بين المزارع الفاشل تشابه تامّ. فالمحبوب في هذه التجربة ذلك الفاشل في زرع بذوره في بستان الحبّ لتنتج سنابل حُبلى شوقا و اشتياقا. و على خلاف ذلك كانت التّربةُ مهيّأة كي تزهر أشواك الشكوى: فلا لقاءَ و لا قبلاتٍ و لا اشتياقَ.
جميل جدا هذ الاستخدام للعبارات الموحية بما يعتمل في نفس المحبوب من مشاعر، بعيدا عن التّصريح الفجّ المباشر الذي يحرم القارئ متعة استيحاء المعاني بتنشيط ملكة التخيل عنده. و هنا لعمري يكمن الفرق بين شاعر مُجِيد و آخر حظّه من الشاعرية عاثر .
و يتواصل الاعتماد على الاستفهام.
ألَسْتَ مَنْ وَأَدَ البسمَةَ
ألَسْتَ مَنْ سَبَى الفَرحَةَ
ألَسْتَ مَنْ ذبَحَ الحُبَّ
و يتواصل أيضا الاستخدام الخاصّ للمعاني السّياقيّة، فالاستفهام هنا من باب "التذكير بشيء معلوم".
و الناظر في المعجم يقف على ما فيه من ألم ومعاناة مؤدية إلى الموت و الفناء.
وأد/ سَبى/ذَبح
و يتحوّل هذا التّذكير إلى حجج واقعيّة دامغة لا تترك مجالا للمُحبّ كي يجد طوقَ نجاةٍ واحدٍ من عتاب محبوبه و لومه.
يبدو المُحبّ ذلك الفلّاح الذي لا يدري ما يزرع و لا أين و لا متى، حظّه من الخبرة ضئيل إن لم يكن معدوما... يظنّ أنّ الأرض معطاء بغير حساب. ولكنّ التربة البكر أبدا لن تثمر إلّا لمن قَدَرها حقّ قدرها، و رعاها بقلبه قبل عقله، و بعَمَله قبل أمانيه. كُنْ مُحِبّا صادقا تُحْبَبْ
طريفة(جديدة) هذه المعاني المتواترة المتوالدة من كلمات بسيطة، قليلة، ولكنّها مكتنزة منتقاة بعناية فائقة.
** شعريّة الموسيقى**
مواطن الجمال في هذا النصّ كثيرة لا تكمن في هذا الاختيار الدّقيق للعبارات الموحية الدّالة، و لا في هذه الصّور الشّعريّة اللّافتة فقط بل تتعدّى إلى الموسيقيّة الأخّاذة.
و قد تجلت الموسيقيّة في ما يلي:
* انتهاء ما يشبه الفواصل بقافية واحدة.
الأولا/ فاشلا/ حللا/ هللا/ قرنفلا
* التماثل التركيبي
أ / لَسْتَ/ مَنْ / وَأَدَ/ البسمَةَ
أ/ لَسْتَ/ مَنْ / سَبَى / الفَرحَةَ
أ/ لَسْتَ / مَنْ / ذبَحَ / الحُبَّ
* التكرار اللفظي
تشكوك/ يشكوك/ يشكوك/ تشكوك
* تكرار حرف بعينه في الكلمة نفسها
المبلّلة/ المدلّلة/ حلّلا / هلّلا
و هنا تكرار حرف اللّام صوتيّا ثلاث مرّات في الكلمة الواحدة
مثال* المُدَ( لْ/لَ/لَ) ة*
هَ(لْ/لَ/لَ)ا
و هذا مولّد للإيقاع أساسِ الموسيقى داخل الكلمة.
النّصّ بالنّهاية مكتنز المعاني، و قد صِيغَت بمهارة كبيرة باختيار اللّفظ، و رسم الصّور الشعريّة الجميلة. و قد صاحب كلَّ ذلك موسيقيّ عاليةُ الإيقاعِ، مختلفةُ الدّرجات و الطّبقات، ممّا جعل النّصّ لوحة فنّيّة نسمَعُها بالأذن فنطربُ، و نراها بالعين فنبتهج، و ننظر فيها بالفكر فيجنّح الخيال بعيدا.
تحية للشاعرة للمبدعة ميادة سليمان / Mayada Solaiman
--- ------ ----'ا ------ ------
الطيب جامعي/ تونس