قبل ان تخترع هذه الآلة العجيبة .كنا ننعم بالهدوء التام بعد إنهاء أعمالنا ..تارة نشاهد التلفاز وتارة نتحدث مع الخلان..او نراجع انفسنا ..نفكر في ماضينا او نخطط لمستقبلنا ..ونرسم سبلا لفتح ابواب الامل .راضين بما قسمه الله لنا .مقتنعين تمام الاقتناع ان دوام الحال من المحال .وان لكل يوم رزقه وانه لن يصيبنا الا ما كتبه الله لنا ومن خضم اوجاعنا وقهرنا وحتى قمعنا ونحن صغارا .صنعنا انفسنا ووثقنا شخصيتنا وبصمنا تاريخ تحدياتنا دون ان نحاسب الآخر عما فعله بنا فتلك مهمة الله عز وجل ولذاك الشأن كان يوم الحساب .ورغم كل السبل الشائكة التي سلكناها كانت تركيبتنا الفسيولوجية سليمة تتسم بالوداعة والسماحة وتقبل الآخر حتى لو كان لا يوافق مزاجيتنا المركبة ....اليوم صرنا كلما انهينا أعمالنا نسارع الى الدخول الى هذا العالم مع انه لم يحمل لنا الا الهم والغم ..فكلما فتحت صفحتك تصادف وابلا من التعقيبات والنواح والعويل وعدم الرضى عن الواقع ومع تسارع الاحداث وتضخمها ..صارت تلك الهموم جاثمة على صدورنا ..نحمل هم هذا وذاك ونبكي مع هذا وذاك حتى صارت اعصابنا كالريشة في مهب الريح ..فلو كانت جبلا لانهار من هذا الكم الهائل الذي يحمله من الهموم ..لم نعد نستطيع الابتسام .نسينا انفسنا ..نسينا احلامنا ..نسينا ذكر الله فنسينا ..ادمنا هذا الجهاز وصرنا عبيدا له ..كلما حاولنا تركه لتستريح اعيننا ولو قليلا .تلح علينا الرغبة لامساكه وتتبع مايجري .ادمنا الهم والغم وصار الملل كابوسا يهدد حياتنا وكانه انقطعت الكتب وانقطع الارسال عن الشاشة وانقطعت كل وسائل التسلية ..ولم يعد هناك ما يملأ فراغنا الا هذا الحائط الذي سلبنا امننا وراحتنا الجسدية والفكرية ..ويبدو انه استعبدنا حتى النخاع ...ويبدو ان أكثر ما افلح فيه الغرب لدمارنا هو هذا الاختراع ..سيقول لي البعض انه موسوعة ثقافية لمن يريد وايضا ساهم في ايصال اصواتنا الى اعلى المستويات .وايضا مشاركتنا للآخر ..نعم .كل هذا صحيح ..لكن مع كل هذه الامتيازات خسرنا راحتنا النفسية والجسدية ..وهذه خسارة لا تعوضها استفادة ثقافية او علمية ...فقد كنا نتابع بهدوء نفسي تام ونثقف انفسنا ونحن راضون تماما عبر الكتب ..وكنا نشعر بمتعة عجيبة ونحن نقرأ قصة ما او تاريخ امة ما ...فهل لا زلتم تشعرون بهذه المتعة ..
وقانا الله شر هذا الادمان الذي آن الاوان لنستعمله بشكل صحيح ونتخلص من عبوديته
لا تهتموا كثيرا بكلامي فقد استخرجت بعض الكتب لأقراها لأجدني قد أخذت جهازي دون سابق انذار لاكتب لكم ماكتبته ...المسالة ليست خطيرة ...قد نستطيع تدارك الامر بتحرير انفسنا .....مودتي واحترامي للجميع
بقلمي ..سعيدة المرابط