الدراسة النقدية للجزء الثاني من ثلاثية (( باب خالتي سهيلة )) بقلم الكاتب الكبيروالناقد الدولي حسن الحليلى

Admin عدد المساهمات : 2717 تاريخ التسجيل : 26/02/2009

الدراسة النقدية للجزء الثاني من ثلاثية (( باب خالتي سهيلة )) بقلم الكاتب الكبيروالناقد الدولي حسن الحليلى

(( عندما تَقرَأُ وتتصَفّحُ قصة (باب خلتى سهيلة) للمبدعة ايمان الدرع تقفُ مذهولًا أمامَ نصوصِها، تتفحّصُها رويدًا رويدًا، وبعدَما تَفُكُّ رموزَها، بنشوةٍ تَعتريكَ، وبِلذّةٍ عقليّةٍ تُدغدغُ أفكارَكَ، حيثُ تُقابلُكَ حدائقُ فينانة، وما فيها مِن باقاتٍ نرجسيّةٍ جميلةٍ وفوّاحةٍ، مَبعثُها خلَجاتِ النّفسِ الحَرَّى، والرّوحِ العذبةِ، والذّاكرةِ النّقيّةِ، والوجدانِ الرّقراقِ، تَفوحُ شذًى وعطرًا يَشتَمُّها المُتَلقّي تُنثَرُ، وتَتفتّحُ أساريرُهُ بكُلِّ ما تَحمِلُهُ تجربتُها الإبداعيّةُ مِنْ صُوَرٍ جمالية مُبتَكَرةٍ، ورُموزٍ، وتوظيفٍ للرّمزِ والأسْطورةِ، وعَفويّةٍ في الطّرحِ والأسلوبِ، ولغةٍ ماتعةٍ، فهذهِ الإبداعاتُ حاكَتْها ثورةُ النّفسِ التّواقةِ للحُبِّ، والوَثّابةِ في التَطلّعِ للتّحرُّرِ والانعتاقِ، وفيها الدّمعةُ الحزينةُ، كما فيها البسمةُ الصّادقةُ،جمل كأنّها نجومٌ زاهرةٌ تُشِعُّ بالأمل، وروحِ الإنسانيّةِ، والحنينِ لكلِّ جماليّاتِ الأشياءِ، وقدْ نسَجَتْها روحٌ تُشْرِقُ عليها شمسُ الحُبِّ، والسّلامُ، والتّفاؤلُ، والتّوثُّبُ، والتّوحُّدُ معَ الوَطنِ. عندما حاولتُ تحليلَ مقطوعاتٍ لاديبتنا ، وقفتُ طويلًا مُفكِّرًا ومُتأنّيًا، فأنا أمامَ اديبة لقصتها لونٌ خاصٌّ ونكهةٌ مميّزةٌ، ونهجٌ لغويٌّ، فكلُّ حرفٍ يَحتاجُ لفِكرٍ، وكلُّ كلمةٍ تحتاجُ لوقفةٍ، وكلُّ مَقطَعٍ يَحتاجُ لدراسةٍ، وقدْ قسّمتُ الدّراسةَ النّقديّةَ التّحليليّة، بما يَتناسبُ معَ ثلاثة اجزاء من قصتها فتناولتُ ثلاثَ دراسات نقدية من كل فصل على حدة

لذا؛ فإنّ القراءةَ النقديّةَ الصادقةَ لا بدَّ أن تربطَ زخرفةَ الظاهرِ بسنابكِ المُضمَر؛ واقول"لا يمكنُ أن تكونَ القراءةُ النّقديّةُ إلاّ محاولةً في استعادةِ تأمّلِ النّصّ؛ النّصّ المفتوح والمصمّم والموحي، لأنّ هذه القراءة ستسعى إلى تفكيك التّماسكِ الظّاهريِّ في النّصّ، والبحث عن الأبنية الخفيّةِ والعميقة فيه".
والسؤال الذي يستوقفُ القارئَ: هل قصاصاتُ هذهِ االقصةتُصيبُ تلكَ الاستعادة في الصميم؟ يمكنُ القول إنّ نصوص الكاتبة ايمان الدرع أو اجزاء مجموعتها تصيب تلك الاستعادة، أو تتداخلُ في تماهيها اللامح تعالى معى عزيزى القارئ نغوص فى بحر الادب للقاصة لنستخرج اللالئ من خلال نصوصها وجملها وكلماتها واحرف تروى
الاديبة والروائية ايمان الدرع فى الجزء الثانى من قصتها (باب خالتى سهيلة) ترسم الكلمات بريشةِ الفنّ، وأفلحتْ في بلورةِ وصقلِ موهبتِها، وتكوينِ حالةٍ إبداعيّةٍ خاصّة لها، وشقّتْ دربًا قصصيا رائدًا بأسلوبِها المميّز وخيالها المجنّح، وكذلك بجرأتها وصِدقِها في البوح عن مشاعرها، وتُقدّمُ لغةً رفيعةً وصورًا شعريّةً متماسكةً، تنسحبُ على مجموعتها القصصية ، فتجعلُها واحدةً أقربُ ما تكونُ إلى التّشكيلِ الفنّيِّ واللّوحةِ المتكاملة

* "إنّ شاعرية ايمان الدرع القصصية هي شعريّةُ كفاية الحلم هي تستدعي وتستحضرُ سيرةَ فقدانِها، حتى تبدو وكأنّها مرويّةَ حُلم، له نشوةُ الابتهاج، وله قسوة المكاشفة، هذا الانجرار الحسّيُّ يجعلها أكثر إيغالاً في تلذّذِ الكشف، وتحويل جسد الآخر إلى سطح لتدوين هذا الكشف".انظر معى عزيزى القارئ فى سردها القصصى

عندما يحين موعد ولادة امي كانت خالتي سهيلة مقصدنا نناديها على وجه السرعة..: ـ أمي عم تولد قال لا تتأخري ضروري ضروري..
تضرب بأطراف أصابعها على صدرهامرددة: ـ ولي على قامتي يا اللا جاية
تتسارع خطواتها تشق طريقها نحو بيتنا تتلمس ضوء الصباح قبل أن يهلّ باسطاً أذرعه على أرجاء الحارات الشامية النائمة الفاصلة بيننا
تدخل متلهفة وهي تفكّ عنها ( المانطو) الكحلي تتوجه نحو سرير امي الراقدة مع اوجاعها لحظة انتزاع كائن ضعيف يستغيث باكيا من عالم جديد اقتحمه بعد شهور من أمان
تتألم أمي..تصرخ ..القابلة تتفحصها : ــ هانت يابنتي هانت عيني ولدك قربتي تولدي
* "تولّتْ ايمان بنفسِها بناءَ مفرداتٍ بكرٍ أضافتْها إلى قاموسِها الخاصِّ، وعندما تقعُ على مفردةٍ مألوفةٍ، فإنّها كانتْ تُخرجُها مِن سِياقِها، وتضعُها في إطارِ صورةٍ/ جملةٍ غرائبيّةٍ، في خروجٍ على النّمطِ السّائدِ، ورفْضِ ثقافة القطيع، ليسَ مضمونًا، وإنّما ظاهرًا وأسلوبًا كذلك، ضِمنَ البناءِ التّقنيِّ والدّلاليِّ مُتعدِّدِ الطّوابق".
قصتها تفتحُ كتابًا في واقعنا المعاش، قلّ مثيلَهُ في كتاباتِ بداياتِ القرن الحادي والعشرين، لِما فيه من رومنسيّةٍ وواقعية
* "لدى ايمان حالة تطابق مع الذّاكرة والمخيّلة والانزياح والانجذاب معًا، وهنا يكمن سرّ تطويرها الخلاّق للنّصوص التي اجترحتها، بشكل بانوراميّ مضيءٍ، ومعنيٍّ بمحمولاتها الشّخصيّة والإنسانيّة".مسك بيد خالتي سهيلة..ــ دخيلك ياخالتي..
تتماسك الخالة يجب ان تكون قوية أمام أمي..يعلو صوتها: ..ــ شدي حالك عطي نفس رح تروحي الولد عطي عزم يا اللااا يا اللا قولي يارب هاتي ايدك شدي على ايدي
بينما جدتي البسيطة الطيبة تروح وتجيء في الخارج تبكي حتى الرعاف وهي تتضرع إلى السماء ان تقوم ابنتها بالسلامة .
لاتقوى على دخول الغرفة حتى تتأكد من ولادتها وتسمع صرخة الحياة من القادم الجديد فتدخل ومعها الماء الساخن تعانق امي وتقبل أختها التي انفرطت فيها مكابرة شحذتها كي تنقذ ابنة أختها في لحظة فارقة..تتطلب منها القوة.
ـ

* "أحيّي في ايمان الدرع هذه الابتكارات واللّغة السّليمة والرّموز، التي حثّتني أن أبحثَ في القواميسِ، لأراجعَ مِن جديدٍ ما خانتْني بهِ الذّاكرة، وتبقى القصة عند اديبتنا كالمطر، دمعةً على خدِّ الزّمنِ المسروقِ

* "صورةٌ مذهلةٌ ومتفرّدةٌ، أحالتْ سُلطةَ الغوايةِ مِن مَكمنِ فاعليّتِها الحسّيّةِ، إلى مكمنِ انبعاثِها التّأمّليّ، بكلِّ طراوةٍ وانسيابٍ وتلقائيّة.. تلكَ سمةُ النّصوصِ غير المتكلّفةِ في تأسيسِ علاقةٍ بينَ المُرسلِ والمتلقّي، لأنّ الأقنعةَ الّتي تسترُ النّصَّ، هي ليستْ للتّضليلِ والإيهامِ والإيغالِ في جوفِ المجاهيلِ وغياهبِ الحُجبِ، لكن سُلطة الغوايةِ في النّصِّ مرنة، سلسة، مكتنزة ومموسقة، وِفقَ هرمونيّةِ الامتدادِ القصصى وتشكيلاتِهِ الطّريّةِ

* "لقد استمتعتُ جدًّا بقراءة المجموعة القصصية للاديبة ايمان الدرع التتوهّج"، حيث لمستُ في هذه المجموعة القصصيةأنّ الاديبةشفافة، رقراقة، حانية اللّمسات، رائقة المشاعر، فهي تمثّل الإنسانة التي تعيش وتحيا بالحُبّ. إنّها تعيش الحالة الانية بروحها وعقلها وقلمها... ذلك االواقع الذي تشعر به مع الاديبة.. ذلك االسرد الواقعى الذي يوحي بطابع الحزن.. والألم.. والتشاؤم أحيانًا، فهي تكتب بنفسٍ حزينة.. موجوعة لأنها تحلم بواقعها الذي يهدي روحها.. وتشعر في قربه.. سكينة النفس وراحتها.فأديبتنا كيان.. ممزوج بوجدٍ وشوقٍ.. وذهول.. وجوع فكريّ لا يكتفي .. وعطشٍ روحيٍّ لا يرتوي .. مع استعدادٍ كبيرٍ للطرب والسرور.. واستعداد أكبر للشجن والألم.. ويغلب الشجن والألم على الفرح.. والسرور.. وهذا يشير إلى أنّ اديبتنا فنّانة.. رقيقة اللّمحات.. واللّمسات.. فنّانة.. موسيقية.. بارعة .. تترك انطباعًا لا يُمحى في نفس كلّ من يقرأ نصها لأنّه يُجسّد الأنوثة الجذّابة"فى واقع مرير .
[عتدنا فيها السكن في قدسيا وعوالمها الجميلة واندمجنا مع المحيط الجديد بل وأحببناه ونحن نكوّن مجتمعا جديدا طيبا في محيط الجيران والمدارس وتفاصيل الحياة المختلفة
فيها تلك المعادلة المتجاذبة بين ريف ومدينة، وقد شكّلت صورة حلوة، وتوليفة هادئة بسيطة بعيدا عن الضجيج المستحدث في دمشق القديمة وماحولها
غير أن شيئا غريبا دخل على حياتنا زعزع استقرارها وسعادتها شيئا جعل الدمع لايفارق عين أمي ويسرق مرحها وأغانيها وحيويتها ..إنه الجفاء بل والقطيعة بينها وبين خالتي سهيلة.. شيئا لم نعهده ولا نصدق أن يحصل ولكنه حصل...
* ايمان الدرع"؛ كاتبة استطاعت أن ترسم لنفسها مكانة مميّزة في الأدب العربيّ عامّة، وفي االقصة القصيرة خاصّة؛ مكانة بنكهة مختلفة عمّا يمكن أن يجول في ذهن القارئ المِفَن، أمّا نسيج شاعريتها؛ فهو الجنون الذي نحبّه ويحبّنا؛ جنون ينساب إلى أعماقنا؛ فيُدخلنا عالمًا تلو آخر بمساعدة بوصلة التأني والجَلَد في قراءته؛ والتسلّح بالحذر من ظاهر ألفاظه؛ ففي عمقه القصد المنشود. تحمل هذه الكاتبة الإبداع بريشة سحريّة؛ لخلق متاهات جميلة ندخلها؛ كي نصل إلى المألوف واللامألوف في نهاية المطاف.
هذا غيض من فيض؛ لشهادات كثيرة تَصُفُّ جميعها لتعلن ميلاد ايمان الدرع كاتبة مبدعة؛ قدِمَت من كوكبٍ سحريّ؛ سأسمح لنفسي بإلباسها لقبًا تلو آخر: "عصفورة الإبداع المشرق"، أو "كاتبة الجنون"، أو "الباحثة عن الحقيقة"، أو "آمال التجدّد والتجديد":انها رائدة مدرسة ما بعد الحداثة )يالروعتك اديبتنا ايمان الدرع
*

» باب خالتي سهيلة ( الجزء الثاني) - ايمان الدرع
» الكاتبة والأديبة السورية (ايمان الدرع) - الكاتب والناقد \حسن الحليلى
» امّاه - بقلم رنا اية