الحزن لايليق بكِ

ليس غريباً أنني تذكرتها من دون عناء بعد كل هذه السنين .. بل الشعور الذي ولدته رؤيتي لها هو الذي أثار استغرابي فاوقعني في ارتباك ضيّع علي الشعور باللحظة .. استولتْ عليّ فكرة الهرب لألقي عن كاهلي كل شيء .. كما يتخلص البحّار من الأثقال لينقذَ سفينته من الغرق .. النهر بلا ضفة ولا قشة أتعلق بها .. فحلّ بيّ سلام اليائسين حتى فقدتْ أطرافي قدرتها على الحركة .. شعور بالبرد اجتاحني رغم أنَّ الصيف مازال يتأبطنا .. تعللتُ بأن ألمفاجأة هي السبب .. أمتارٌ قليلة تفصلني عنها كانت كافية لتعيدني تسعة عشر عاماً ..شريط سينمائي مرتْ أحداثه أمامي في ثوانٍ أعاد إلي عصافير ذاكرتي الشاردة .. أصابع غليظة امتدتْ إلى جسدي الصغير وسحبته إلى الأعلى لتبعدني عنها .. فنمتُ تلكَ الليلة كما ينام البحر بعد العاصفة .. نمتُ وصراخها ما زالَ صداه يأبى أن يغادرني .. ابتلعَ الزمن كل شيء وعاود سيرهُ من جديد ..لكن ثوان فقط .. ألقت بعودِ ثقاب في دهاليز النسيان .. لينشرَ الدفء في حيطانه الرطبة .. تبعتُ ذلكَ النور المنبعث من عينيها لأجدني أغرق في العتمة من جديد .. وقبل أن أجد كلمة أقولها بادرتني :
- كنتُ أعرف أني سالتقيكَ يوما ما
في هذه اللحظة شهدتُ ولادتي من جديد .. روح أخرى احتلت جسدي .. أعادتْ وصل الحبل السري الذي كان يربطني بها حين كنت جنيناً في بطنها .. نهضتْ بيّ للحياة ثانية تسرب إحساسي ليكسو الحروف بما يفوق طاقة التعبير فلذتُ بالصمت .. فتولت عني المهمة حين مدتْ ذراعيها لتلدني .. لكن هذه المرة إليها .. امرأة واحدة تلدني مرتين .