الضفة الثانية

ا
بعد أن سألها عن أعمارنا .. أجابته :
هو في عامه الرابع ..
أمسكَتُ يده بشدة .. لا أريده أن يتركني لوحدي .. طماّنني بعد أن شعر باستغرابي وأدركَ أن وجودهما قربي بدأ يزعجني .. سيما وأن نظرات الطبيب كانت موجهة صوبنا .. وتلك المرأة المدعوة أمنا .. تبكي طوال الوقت .. حاولَ أن يشتتَ انتباهي عنهما فقال لي :
- - أنظرْ إلى تلك اللوحة .. كم هي مبهرة الألوان .. لون الشمس وقت المغيب انعكسَ على صفحة الماء فأضفى سحرا اّخاذا .. وذلك الزورق التائه وسط الأمواج .. يبحث عن مرسى .. ربما لن يصل إليه .. ليس بعد .. وذلك البحار هو أنتَ ..
- صوتها المرأة وهي تحدث الطبيب سرقني منه ثانية إذ سمعتها تقول له بصوت يملئه الحزن :
- هل تراه ؟! ما الذي أثار انتباهه في اللوحة ؟! هكذا هو طوال الوقت .. عينياه تتكلم وشفتاه صامتتان ..
- التفتتْ إليّ تحدثني والدموع في عينيها :
- - أنظر إليّ حبيبي .. تكلم معي .. أنا أمك !!
- قاطعها الطبيب .. لا تتعبي نفسك .. هو لا يسمع إلا نفسه .. تعودي على ذلك ..
- لكنْ صديقي الذي يشبهني كثيراً .. شدني بقوة من يدي ليهمس في أذني :
- - أبقَ معي .. لا تلتفتْ إليهما .. لا ترد عليهما ..
- بعد أن جلستْ .. لم أعد أسمع حديثهما .. سحبني من يدي وأدخلني معه الى غابة كبيرة .. تسلقنا شجرة جوز عملاقة .. هربتْ العصافير التي كانت واقفة على أغصانها حين شعرتْ بنا .. امتلأت الأرض بحبات الجوز التي سقطت .. انشغلنا بعدها بالجري وراء أرنب كبير سرعان ما اختفى .. ضحكنا كثيرا حين رأينا سلحفاة تسير ببطء .. وحين أتفقنا على الخروج من الغابة .. كانت أمنا وذلك الرجل الذي يرتدي صدرية بيضاء بانتظارنا .. طلب منها أن تهدأ وان تكف عن البكاء .. سألتُ صديقي الذي يشبهني :
مابها أمنا .. لماذا تبكي ؟
ردّ بعدم اكتراث :
- - لانها حزينة ..
- - ماذا يعني حزينة ؟
- لا ادري ! هكذا سمعتها تقول له .. لا تهتم لهم .. هؤلاء مجانين .. أغبياء .. يريدون أن يفرقوا بيني وبينك .. لا يدركون أن سعادتنا تكمن في توحدنا مع بعضنا .. في بقاء أحدنا داخل الأخر .. إياك أن تتركني .. لنغادر عالمهم .. دعنا نذهب إلى النهر لنركبَ ذلك القارب .. نهرب به الى الضفة الأخرى ..
ولكن !! ما أن وصلنا حتى لمحنا أمنا وذلك الرجل الذي يرتدي صدرية بيضاء ويضع سماعة في أذنيه في انتظارنا .. ولكن هذه المرة .. لم يتكلما .. الرجل كان يكتب وأمنا تبكي .