الليلة الأخيرة

الليلة الأخيرة

اقترب من النافذة الوحيدة التي سمحت لظلام الليل أن يتسللَ عبرها .. كانت عالية جدا وصغيرة .. حدق في السحب السوداء التي زادت المساء تجهماً وحزناً .. بدا مترقباً .. قلقاً حتى أن العرق بدأ يتصبب من جسده الهزيل .. كان متيقناً من حضور صديقه في الموعد كما يفعل كل ليلة .. شعرَ بأنفاسه قبل أن يرى ظله يقترب منه .. التفتَ ليجده أمامه .. لم يتغير فيه شيء سوى أن وجهه بدا أكثرُ اصفراراً وشحوباً .. هرب بسرعة ليلتصق بزاوية الغرفة قبل أن يسمعه يردد ذات العبارة التي يرددها كلما حضر ..
- لا تخف !! الم تكنْ تنتظرني ؟ أنت تعلم بأنني لم أتعود أن أخلف لي موعداً
جلس على الأرض ليكور جسده فيبدو كصخرة قبل أن يقول له :
- كم كرهتُ الليلَ لإنه يحملكَ إليّ .. زائرٌ ثقيل يجثمُ على صدري .. يُصادرُ أنفاسي .. يحبسُ روحي .. مر عامٌ وأنتَ تزورني كل ليلة .. ضاقتْ بكَ الأرضُ فلم تجدْ غير هذه الغرفة المظلمة العفنة لتشاركني العيشَ فيها ؟ سئمتُ منكَ .. أبتعد عني .
جاءه الصوت حزيناً هذه المرة :
- كيف أستطيع الأبتعاد عنك وأنت مَنْ تحضرني إليك كل ليلة !!
أصوات الصراصير ملئت المكان حتى تهيأ له أنها ستهجم عليه كما يراها في أحلامه .. إلا أن صوت أنين خافت وبكاء أخرجه مما كان فيه .. نهض بسرعة وأتجه إلى الزاوية الأخرى البعيدة ليصرخ :
- دموعكَ هذه لن تستعطفني .. تلك الدماء على ثيابكَ لنْ تخيفني .. لن أطلبها منكَ .. أبداً .. أبداً .. لنْ أركعَ تحتَ قدميكَ لإنالَ مغفرتكَ .. إياكَ أنْ تقتربَ مني لنْ أقولَ لكَ سامحني ..
- قال له وهو يبتسم :
- لقد سامحتك منذ زمن ياصديقي !!
- تلك الابتسامة تقتلني .. تخبرني كيف كنا أصدقاء .. لا يفارق أحدنا الاّخر .. لا أريدُ رؤية وجهكّ لإنه يذكرني كم كنتَ لطيفاً .. ودوداً ..
- هاتِ يدكَ ياصديقي ..
- أبعدْ كفيكَ الكريمتين عني .. لا تحدقْ فيّ هكذا .. عيونكَ تشعُ فرحاً وبراءةً ..
لا تصمتْ .. صمتكَ يقتلني .. لا تتكلمْ .. أنينكَ يعذبني .. أخرجْ .. دعني أهنأ بليلتي الأخيرة .. دعني أرحبُ بضيوفي .. جيوش الخوف أحنُ منكَ .. رسلُ الموت أرحمُ منكَ ..
- سأخرج .. هذه ليلتي الأخيرة معك .. سأغادر هذا السجن .. سأتركك خلف هذه القضبان سأدعك تقضي ليلتك وحيداً في أستقبال الموت ياصديقي .