'' لأنّهم الأشرف''
أَمرٌ أتاهْ فاستجابَ مُلَبِّيا
وتَقَدَّمَ الصَّحبَ الكِرامَ مُحَيِّيا
قَد وَدَّعَ العَيشَ الهَنيَّ مُباشِرَاُ
في رَسمِ دَربٍ للخلودِ مُؤَدِّيا
تمضي شُهورٌ و السَّواعدُ شُمِّرَت
لِلِقاءِ مَن باعَ التُّرابِ مُباهِيا
في رُقعَةٍ مَهجورَةٍ وَ أَمامَهُ
وَكرٌ بِهِ نَفَرَ الدُّجى مُستَعدِيا
أَزَّ الرَّصاصُ وذي الخريطةُ أُبدِلَت
وضجيجُ مَوتٍ زارَنا مُستَقويا
كَرٌّ و فَرٌّ و اشتباكٌ حاسِمٌ
ونَعيقُ غُربانٍ عَلا مُتمَاهِيا
قَد خَيَّمَ الصَّمتُ الرَّهيبُ و(أَشرَفٌ)
رَشَاشُهُ قَطَعَ السُّكونَ مُدوّياً
حينَ الغُروبِ و قَد نَأَى عَن زُمرَةٍ
يُمناهُ قد بُتِرَت و كان مُواسيا
فَبِها تَمكَّنَ مِن أداءِ رِسالَةٍ
ما انفكَّ يدفَعُ عَن ثَرانا حامِيا
كُرمَى لِذا حَلَفَ اليَمينَ مُعاهِداً
يُمناهُ : إنّي لَن أكونَ مُجافِيا
مَثواكِ في مَربَى الطُّفولَةِ لا هُنا
وإليهِ أَدناها بِرِفقٍ حانيا
عندَ الصَّباحِ و في بِناءٍ شاهِقٍ
سألَ المُصابُ بِحَيرَةٍ : ما بالِيا ?
هي ذِي يمينُكَ و السَّما قد بَارَكَت
حَمداً لِربّي أن غَدوتُ مُداوِيا
شُكراً إلهي قالَها مُستَغرِبَاً
إنِّي -وَربّي - لم أَكُن مُتوانِيا
كانَ الجوابُ كافياً بَل شافياً:
فَخرُ الرِجالِ و لا أقولُ مُحابِيا
إنّي أَتيتُكَ حينِما غيبوبَةٍ
بَدِأَت تُغشِّي ناظِرَيكَ أَماسِيا
في زِحمِةِ الفَرَحِ المُطعَّمِ بالأَسى
نَبَأُ انتِصارٍ قَد أَتى مُتماشِيا
فَلْتَهنَأِ الشَامُ المَليحَةُ أَنَّها
نَبضُ القُلوبِ مَعَانِياً و مَغَانِيا
..هي تجربتي الثانية في تحويل قصّة
إلى شِعر والجديد هنا أنّها قصّة من
إلهامي ..الله يحمي اوطاننا.
تنازَعَتْهُ مشاعرُ شتّى حين تبلّغَ أمرَ الالتحاقِ بصفوفِ الجيشِ.
أيّامٌ وإذا بهِ يتقدَّمُ رفاقَهُ بتحيّةٍ عسكريّة،ٍ مُستَفتِحاً
صباحاً جديداً في حياتِهِ وقد ودّعَ حياةَ الدَّعةِ واللهوِ
ساعةً… ساعتان، سنة.. سنتان، و(أشرف) قد اشتدَّ
بأسُهُ وقويَ عضُدُهُ، وعلى مرمى دقائق تراهُ وجهاً لوجهٍ مع الإرهابِ كُلِّهِ والظّلامِ جُلِّهِ.
هناك في أرضٍ تكادُ تخلو من أشكالِ الحياةِسوى
من بضعِ شُجيراتِ زيتونٍ، كان على مَقرُبةِ من وكرٍٍ
للمسلَّحينَ الذين تقاطروا بالعشراتِ ليُمطِروا مجموعةً من الجنودِ بوابلٍ من الرصاصِ والقذائفِ المُتفجِّرَةِ؛فتندلِعُ مواجهاتٌ حاميةٌ بينَ الطَّرَفينِ
ويسقطُ مَنْ يَسقطُ بينَ شهيدٍ وقتيلٍ.
في ركنٍ مهجورٍ رشّاشُ(أشرف) يُرسِلُ الموتَ
إلى قطعانِ الظلاميّينَ بعزيمةٍ لا تلينُ وإرادةٍ لا تُقهَرُ،
هناكَ والشّمسُ تؤذِّنُ للمَغيبِ استقبَلَ جسدُهُ المبارَكُ
شظيَّةً بُتِرَ معها ساعدُهُُ الأيمنُ ، وعلى مسافةٍ
ليستْ بقريبةٍ من رفاقِهِ تلقّفَ يدَهُ المبتورةَ وضمَّها
إليهِ كأُمٍّ تحتضنُ وليدَها البِكرَ، مُخاطِباً إيّاها أنْ واللهِ
لن أدَعَكِ في هذه الأرضِ المهجورَةِ ولن أدفنَكِ إلّا في
مكانٍ لطالما احتضَْنتِ ورودَهُ وعانقتِ ذرّاتِ ترابِهِ وتباركْتِ بطُهرِ حِجارَتِهِ.
في هذه اللحظاتِ القصيرةِ والّتي يتطاولُ فيها الزَّمنُ
وتتحشرَجُ معها الأنفاسُ ،وتحتَ جُنْحِ الظّلامِ حيثُ
أزيزُ الرّصاصِ ما زالِ سيِّدَ الموقفِ ،هنا يقترِبُ منه
أحدُ المُقاتلينَ في وقتٍ بدأتِ الغيبوبةُ تأخُذُ منهُ
مأخَذاً.
صبيحةَ اليومِ الثّاني وعلى صوتِ الطّبيبِ يستفيقُ،
شيئاً فشيئاً يستجمِعُ أفكارَهُ صارِخاً بمِلءِ فيهِ:ماذا
جرى? أينَ أنا?.
بيدهِ المُبارَكَةِ يمسحُ لهُ الطّبيبُ العرقَ عن جبينِهِ
ويُمرِّرُ يدَهُ بحنوٍّ على وجهِهِ:حمداً لله على السلامة.
يُنقِّلُ المريضُ عينيهِ في المكانِ وبِسُرعةٍ ينظُرُ إلى
أطرافِهِ ،دونَ أنْ ينبُسَ ببنتِ شَفَةٍ تتحدّثُ عيناهُ بصوتٍ عالٍ:يا الله.. ياالله..!.
هنا يبتسِمُ الطّبيبُ ويُشيرُ برأسِهِ موافِقاً على ما أفصَحَتْ بهِ عينا المريضِ:نعم هوساعِدُكَ رُدَّ إليكَ
بعونِ اللهِ، هيّا حَرِّكْ أصابِعَكَ، بالطّبعِ راحَ الشّابُّ يُجرِّبُ و أناملَهُ تَستجيبُ وحياةٌ جديدةٌ تدبُّ فيها
وسَطَ جوٍّ مِن سَعادَةِ لا توصَفُ.
في هذهِ الأثناءِ الّتي أنْسَتْهُ مرارةَ القِتالِ وخفَّفَتْ
عنهُ قساوةَ الحُزنِ على أبطالٍ قضَوا في أرضِ المعرَكَةِ يدخُلُ رفيقاهُ ودهْشَةٌ تملأُ قلبَيهِما: ألف
الحمد لله على سلامتِكِ ،مبارَكٌ لكَ ولنا سحقُ مَن
تبقّى من الإرهابيّين ومُبارَكٌ لكَ نجاحُ العمليّةِ،
نعم أخلصْتَ لساعِدِكَ فأخلَصَ لكَ ،وَفَيْتَ لسوريَّتِكَ
فكانتِ الأوفى، وببَركاتِها استعَدْتَ طرَفاً ،لعلَّكَ ترسُمُ
بِهِ قصَّةَ نصْرٍ جديدٍ لوطنٍ عزيزٍ وجيشٍ عظيمٍ لم
ولنْ يحيدَ..جيشٍ شِعارُهُ (وطن* شرف* إخلاص)
إلهام عبّود/سورية.. 13..12. - 2019