وطن الكلمات
بعض القطع الأدبية تكون عالمية الانتماء، بمعنى أنه لا يمكنك أبدا من خلال السرد أن تحدد هوية البطل، أو الأرض، أو اللغة الأصلية التي ربما كُتبت بها الحكاية.
مجرد مشاعر ومواقف ومعان عالمية كلها، كعالمية الإنسانية.
بينما بعض القَصِّ يأخذك في تفاصيل دعج العيون وسواد الشعر وخمرية البشرة، أو يشير إلى فنجان القهوة العربي، ورائحتها الممزوجة بالزعفران والهيل، أو يحكي عن قلب فتاة في قصة حب عذري، ذلك الذي لا يحيا إلا بالوطن العربي.
أو يذكر صراحةً بالأسماء حلب، بيروت، بغداد، الإسكندرية .... لتلك الأسماء على أذني وقع التعاويذ السحرية.
وبعض القص يغوص في تفاصيل الحارة المصرية، فيعلو في أذنيك لاإراديا نداء الباعة الجائلين وصوت اصطكاك الغطيان في يد بائع العرقسوس أيام الحر، أو يتجسد أمامك تراقص دخان الأرجيلة في قهوة بالحسين.
قد يمر البطل في الحكاية بساحة الأقصى، أو كنيسة القديس سمعان أو ميدان التحرير.
قد يعلو صوت الأذان بين الكلمات، أو ترتدي البطلة خمارا، أو يرتدي الجد جلبابا، تفوح منه رائحة المسك من بين السطور.
قد تسكرك رائحة الفطير الطازج من الفرن الطيني، أو تلفك موسيقى الساقية أو يشنف أذنيك لفظٌ عامي من أعماق الريف المصري الأصيل.
ذلك القص العربي حتى النخاع، يأخذني أخذا. تلك التفاصيل الصغيرة تسكنها روحي وطنا، أستمتع بها كعالم سحري أعيشه بكل وجداني، أتنفس حروف الكلمات، ألثم السطور، ترقص الكلمات في مخيلتي على موسيقى سيد درويش، بعباءة الرقص الشرقي، حاملةً ألِف العربية على رأسها، رابطة حول الوسط هاءها. فأتناسى الإنجليزية والألمانية وأمحو من ذاكرتي مشاهد العيون الزرقاء وأسقف البيوت الهرمية والرقص على الجليد، وأُفرغ أذني من سيمفونيات بيتهوفن.
تجري عيناي بنهم بين السطور لتذوب بكل لمحة ثقافية يشعرني الاتساق الشديد معها أنني عربية، عربية حتى النخاع.
شادن شاهين