قصّاصُ الأثر
...........
أنا لستُ كما يبدو عليٍّ
أنا عكسُ ذلِكَ تمامًا..
شديدةُ الجنونِ
والتفكيرِ الغريب،
خيالي واسعٌ جدًا
لدرجةِ تصورتُ نفسي
بمعرضٍ للرسمِ
كلُ الرسوماتِ معلقةٌ بحائطً خلفَ المجرات،
وكلُ اللوحاتِ مرسومةٌ بالألغازِ..
لوحةٌ تجسّدُ بيوتًا ونوافِذَ مُغلقةً على الدمعِ
ألوانَها قاتمةً وأكثر هشاشةً من عتمةِ ليل،
جنديٌ جريح يمنحُ شارةَ العبورِ للحنينِ
المُكتظِ بسؤالِ العيون عن وطنِهِ،
رَجُلٌ يلوحُ بمِنديلٍ أسود
للمغادرين الذين بحثوا عن أماكن أخرى أكثر أمنًا وأقل بؤسًا،
كاتبٌ يسرقُ النصوص وينامُ تحتَ السريرِ
ليجدَ القصيدةَ.
قصّاصُ الأثر
يضبطُ الكونَ ولا يرسم المصير.
امرأةٌ تدّعي الحب
ترقصُ على كَفَنِ شاعر .
الجفافُ يصيبُ السماء
والبرودةُ تغزو الأرض
ونعاني وخزات كالإبر،
حراسُ الحدودِ يعلنونُ الطوارئ العالميةَ لمواجهتِهِ،
شاعرٌ وحيد يسعلُ على كرسي مهجور
في حديقةٍ عارية
يُدثرُ الريحُ أنفَاسَهُ،
ولوحةٌ سوداء
تتوسّطُ صدرَ المعرضِ..
بين ثناياها
تتموّه رؤانا
نتوسدُ بعضَ الآمال
فيتسللُ الظلامُ منه
إلى داخلِ مُخيَّلتِنا
ويسرقُ الحُبَ
والبراءةَ
والأمل،
وتتسرّبُ منا أحلامنا
رويدًا ..رويدًا
كما الأبخرة دون صوتٍ
إلى الأفقِ في سموٍ بطيء،
ويمضي إلى الجاذبية الكونية
يجذب كل جميل
ويتركُ السوادَ يَحُلُ محله..
يواصلُ اختراق أحلامنا وخداعنا
حاولتُ أن أُغيرَ بتفاصيلها..
رسمتُ امرأةً ولكن سُرعان ما تحولت
لسيدةٍ تجلس كومةً من الركام
ومحاطةٌ بجماجم لرؤوسٍ بشرية وأشلاء وأجساد مبتورة..
وهيّ لا تكف عن البكاء.
ربما كنا سننجو
لولا أن دموعها ابتلعت الأزقة
والمدن واحدةً...واحدة
واستمر انهمارُ المطرِ أسود..
ونحنُ بين حَدِ الألم
وحد الموت
يستبيحُنا نعيقُ الغربانِ
والعبثية تمضغنا دون رحمة،
و صوتٌ ينادي للمدى
بآخر شهقةٍ من درسِ الموت:
-ستأتيني يوما
وقد عادَ الضوء.
افين حمو