مقالتي (الحضور القرآنيّ في الشّعر العربيّ الحديث)
في عدد الغد من جريدة المراقب العراقيّة
ألف شكر للإعلاميّ يونس العرّاف على الاهتمام والنّشر.
يعد أهمّ مصادر الاستلهام
الحضور القرآني في الشعر العربي الحديث
المراقب العراقي / القسم الثقافي...
ترى الأديبة السورية ميادة مهنا سليمان أن القرآن الكريم من أهمّ مصادر الاستلهام في الشّعر، و كثير من الشّعراء استلهموا من موضوعاته و شخصيّاته، و قد أشاروا إليها في أشعارهم و كأنّ الشّعراء مهما استطاعوا أن يحلّقوا في عوالم رحبة في الشّعر بخيالهم المبدع فإنّهم سوف يبقون أوفياء لرسالة القرآن الكريم.
وقالت في قراءة نقدية خصت بها (المراقب العراقي) إن الناقد العربي الكبير عبد الله الغذامي يقول: "النَّصُّ ابن النَّصِّ"ولذا يمكننا القَول: إنَّ النَّصَّ "يُولد" مِن نصٍّ أو نصوص.
ويقول النّاقد المصريّ محمّد صادق عبد العال: وأجمل تناصٍّ هو ما أُخذ من النصِّ المقدَّس والكتاب الأعظم، وهو القرآن الكريم، شريطة ألاَّ يكون فيه استعلاء من الكاتِب على القارئ، أو إظهار عِلمٍ بتكبُّر؛ فإنَّ القرآن للذِّكر مُيسَّر بكلام رب العالمين: " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ " القمر: 17
ويضيف:لقد أمعنتُ في فتوى صدرَت بهذا الصَّدَد، حتى نقطع على القائلين بأنَّ التناصَّ تجرُّؤ على القرآن الكريم:يجوز الاستشهادُ بآية من القرآن، أو بجزءٍ منها في كلام المتكلِّم، وهذا يسمَّى في علوم اللغة والأدب بـ (الاقتباس).
ويقول أيضًا: إنّ التّناصّ من موجبات الاستشهاد، وتقوية النّصّ المكتوب... ومردّ كلّ جميل وبيان إلى القرآن الكريم، وما على الكاتب من حرج إن أظهر ناحية التّناصّ عنده.."
وتابعت :على الرّغم من أنّ التّناصّ يبدو مصطلحًا جديدًا، فإنّه في الواقع مفهوم قديم؛ ذلك أنّ من يتمعّن في معجم النّقد العربيّ القديم يعثر على أكثر من مصطلح يشير إلى عملية التّداخل بين النّصّ و النّصوص الأخرى، مثل مصطلحات: "الاقتباس" و "التضمين".و لنعد إلى القدماء، من أهمّ المصادر التي استقى منها أبو تمّام ثقافته، القرآن الكريم، فقلّما تخلو قصيدة من قصائده من لفظ قرآنيّ، أو سورة قرآنيّة.
واشارت الى ان القرآن الكريم بالنّسبة إلى العصر الحديث فيُعتبر من أهمّ مصادر الاستلهام في الشّعر، و كثير من الشّعراء استلهموا من موضوعاته و شخصيّاته، و قد أشاروا إليها في أشعارهم و كأنّ الشّعراء مهما استطاعوا أن يحلّقوا في عوالم رحبة في الشّعر بخيالهم المبدع فإنّهم سوف يبقون أوفياء لرسالة القرآن الكريم كما لأنّ الكاتب في أصله قارئ ظلّ يمارس فعل القراءة، و يختزن في ذاكرته ما لا يحصى من النّصوص و الأفكار التي تدل على اتّساع آفاقه، و خلفيّاته التّاريخيّة، و الثّقافيّة.
واوضحت :ان التّناصّ كمصطلح نقديّ متنوّع يندرج فيه كلّ ما يتعلّق باستدعاء النّصوص السّابقة في النّصّ اللاحق، وتعود ولادة هذا المصطلح إلى منتصف السّتينيّات من القرن العشرين في كتابات (ميخائيل باختين) الذي عُنِيَ بالتّناصّ فقال:
هو الوقوف على حقيقة التّفاعل الواقع في النّصوص في استعادتها أو محاكاتها لنصوص أو لأجزاء من نصوص سابقة.ثمّ تبلور موضوع التّناصّ على يد (جوليا كريستيفا) الّتي نظرت إلى النّصّ الشّعريّ بوصفه استلهامًا لنصوص سابقة، يعقد معها النّصّ الجديد علاقة تبادل حواريّ، أو هو: لوحة فسيفسائيّة من الاقتباسات، إذ يعتبر كلّ نصّ أدبيّ متأثّر بنصٍّ أدبيٍّ قد سبقه.
استخدم مفهوم التّناصّ شعراء كثر سأذكر منهم:
الشّاعر المصريّ رفعت سلّام:
مرأة حميم
مفتوحة لما يجيء به الغيث
نجمة راكدة
أو مواء أليم
أنا امرأة الصّراط المستقيم
لاحظ: "حميم، أليم، الصّراط المستقيم"
كما استخدم الشّاعر الفلسطينيّ سميح قاسم:
من قصيدة "نشيد الأنبياء":
ما الحشر المباغتُ؟
ما " سقر " ؟
لا بد أن أمضي
عذابي وردة
و فمي حجر ....
لاحظ( الحشر، سقَر)
واستخدمه الشّاعر الرّائع نزار قبّاني:
نزلتَ علينا كتابًا جميلا
ولكنّنا لا نجيد القراءة
وسافرت فينا لأرض البراءة
ولكنّنا ما قبلنا الرّحيلا
تركناك في شمس سيناء وحدك
تكلّم ربّك في الطّور وحدك
لاحظ: (نزلتَ علينا كتابًا، سيناء، تكلّم ربّك، الطّور)
وبالنّسبة لي أوردت التّناصّ في خاطرتي:
* سَأُلقِيهِ فِي يَمِّ الأَمَلِ
عَوَتْ ذِئابُ التَّقاليدِ…
فَاستَيقظَ فِرعَونُ الشَّرقِ مَذعُوراً
* مقطع من قصيدة (قميص الغياب):
رُحْمَاكَ رَبِّي
جِئنِي بِقَميصِ حُسْنِهِ
*مقطع من (لستُ الخِضرا):
ومن ضيقٍ كادَ يخنقُني
غلامَ البينِ أعدمتُه
مخافةَ فتنةَ الولهِ
وما كنتُ لقتلِ النَّفسِ مُفترَّة
ومن تهيامٍ ومن وجدٍ
خرقتُ سفينةَ الأشواقْ
جدارَ العرفِ هدَّمْتُهْ
وكانتْ صرختي الكُبرى:
أنا أنتَ!
أنا أنتَ!
بصوتٍ يُنبي أنِّي فوقَ كفِّ العزِّ
قد عشتُ
بماءِ الرّفضِ
تعمّدتُ
فكانتْ ثورتي الأولى:
أنا حُرَّة!
أنا حُرَّة!
كما أوردته في بعض قصصي القصيرة جدًّا
سأكتفي بمثالين:
* هِداية
ازدَحَمَتِ الشُّكوكُ في رَأسِهَا، خَوَّنَتْهُ.
بِعَصَا حِنْكَتِهِ التَقَفَ كُلَّ أدِلَّتِهَا، آمَنَتْ بِقَلبِهِ.
ذَاتَ فَجْرٍ…
لَدَغَهُ الهِجرَانُ؛ رَأَتْ يَدَهُ!
*تأصُّلٌ
طَمَعًا فِي خَيرَاتِهَا تَعَارَكَا، تَدحرَجا، وَصَلا قُربَ فَأسٍ،
اختطفَهُ الكبيرُ، نَعَقَ غُرَابٌ، تَهَاوَتِ اليَدُ الجَبَّارَةُ.
وختمت :هذا فقط التّناصّ في القرآن الكريم عدا عن نصوص كثيرة كتبتُها فيها تناصّات دينيّة
غير قرآنيّة، لا مجال لذكرها كي لا أطيل على القارئ.ويبقى القارئ هو الحَكَم الأوّل والأخير.
ميَّادة مهنَّا سليمان