قراءة تحليلية بقلم الناقدة مرشدة جاويش في نص /على يباب الغفلة/ للشاعر هشام صيام

Admin عدد المساهمات : 2717 تاريخ التسجيل : 26/02/2009

قراءة تحليلية بقلم الناقدة مرشدة جاويش في نص /على يباب الغفلة/ للشاعر هشام صيام
يونيو 13, 2020

قراءة تحليلية للنص الشعري ( على يباب الغفلة) للمبدع الناقد هشام صيام
النص:
على يَبَاب الغفلة
متكئة الحروف ...
... تعني ولا تعني

بعض سديم غارق
في زفرات الذات
لتتوارى كطيفٍ من شعاع
تائه في رحم المساء

غفا عنه طلق المخاض
ما بين نهد أعجف
وقاع بطن ... مسافة
خاوية مساكنها

ابتلع الجِنّ القربان
ليذوب ويتلاشى الأثر
والمذبح يبكي .....
..... ولا عزاء لمحراب
فارَ تَّنُّوره فأغرق
النُسَّاك ..
......
هشام صيام

ـــــــــــــــــــ

القراءة:

للوهلة الأولى من مطالعة النص يأخذك سياقه اللغوي إلى أفقه الممتد بعيداً والمنطلق من حالة الإجترار التي تحمل دلالة الإستعلاء والإحاطة فهي أيقونة اتسعت لعصارة النص التي سكبت منها في مزيج لغوي مكثف معبراً عن علاقة ثنائية وطيدة برزت معالمها في الشجن الذي ينز من الحروف مُظهراً جوهر معاني صور اللغة ذاتها التي قد منها جزءاً صغيراً حمل ببواطنه جيناتها وخصائصها وسيميائيتها في عبارة موجزة وصورة عميقة ورمزية مكتنزة بالوعي الرافض لإلجامه بالصمت والخنوع للتكلس
أو الإنصياع لمعطيات مخاضات مشوهة قد تفرض على اللغة الإنحسار والتقهقر في غياب مُحفز مادي يستثير الطاقة الداخلية للتفاعل مع سلطة الطبيعة المادية التي تخصب الحالة الشعورية لإنتاج مزاوجة الحالة الشعرية التي تنتج عنها تلك المخاضات
طبيعة البنية التركيبية لصور النص مبنية على حالة من الثبات المرتكز أساساً على الإحاطة بالفكرة العامة للنص وهي حالة الغياب ـ كما أسلفنا ـ الظاهرة بجلاء في تكريس الصور المعبرة عنه في جميع فقرات النص الأربع مثل:
يباب الغفلة
سديم غارق
زفرات الذات
شعاع تائه
رحم المساء
نهد أعجف
بطن مساحة خاوية مساكنها
يتلاشى الأثر
المذبح يبكي_
كل هذا التكثيف والتتابع لهذه المتوالية من صور سوداوية هو تجسيد للأنا من خلال إبراز ما تكابده من عناء ومشقة في ظل افتقارها إلى ما يعبر عنها ويمنحها الحضور الذي تبحث عنه وهي الصورة النقيض للصورة التي يمثلها النص_
هناك آفاق واسعة يتيحها النص للمتلقي لإشراكه في استنكاه ماهيته واستجلاء جوانيته لتخلق بذلك علاقة ثنائية ووشائج بين الناص والمتلقي وتمنح النص الحياة باستشعاره وإدراك مداه وما يسعى لبلوغه أو نجاح نقل الخطاب الذي يحمله في مكنونه وسديمه المترامي الأطراف على سفح لغة سادرة بالرمز مشحونة بالطاقة الداخلية المتوالدة لتنسج من مفرداتها نسيج الحالة الشعرية بهذه التقنية الحديثة المعتمدة على فلاشات قصيرة معبرة عن خلاصات محورية حول العلاقة بين الأنا ومدلولها وبين الناص والنص والمنشأ والغاية ومدار ذلك كله شعور الإحتياج والنقص الذي يعكسه الخطاب النخبوي المجتبى عن مهالك النمطية المباشرة...
وللعمل على تحليل البنية العامة لمادة النص فقد تساعد عملية فكفكة الفكرة العامة إلى أفكار جزئية يربطها السياق العام ليتسنى لنا فهم سيميائيته وبنيته الداخلية..
فهنا الاستهلال مركزي ينطلق من نقطة البدء التي تركز على الباعث لولادة الفكرة أي الشعور الذي انبثقت منه مادة النص والمتمثلة في عمق الخطاب (اللغة) الدال عليها توظيف وحداتها البنائية للإشارة إليها، وذلك ناتج عن ملاحمة العلاقة بين الناص ولغته التي يبني باستخدامها مادته التي تستوعب رؤاه وأفكاره فهي الإطار العام الذي يحتوي تعبيره أو تفاعله مع المحيط أو مع أي مؤثر أو محفز لخطابه (نتاجه الفكري).
وهنا تحضر الدلالة لكلا الحالتين
أي حال حضور اللغة أو غيابها
فكما أن لها دلالتها التي يحملها مضمونها فلها كذلك دلالتها حال غيابها فالغياب بحد ذاته يعبر عن معدل معين للخطاب ظهر في أدنى مستوياته حين انحساره.
ثم ننتقل إلى الفقرة الثانية:
بعض سديم غارق
في زفرات الذات
لتتوارى كطيفٍ من شعاع
تائه في رحم المساء ...
نجد تعبير عن مرحلة اللاوعي التي يمر بها الخطاب قبل تشكله وظهوره وقد تم هنا توظيف معادل موضوعي برز في الترميز الإيحائي وتشبيه الحالة أيضا بخفوت الأشعة في ظلام الليل، والفكرة الجزئية التي تشير إليها الفقرة ربما تتمثل في طرح عقدة المعاناة والشعور الطاغي والمسيطر على النفس حيث أصبحت اللغة شبيهة بحالة ضبابية كثيفة في ظل ما يؤرق الذات من شواغل وهواجس ربما فاقت القدرة فعكست حالة العجز المعبر عنها بزفرات تلك الذات المرهقة التي أثقلت الفكر وقيدت نتاجه فأدى ذلك إلى انحسار ظهور حسي وتوقف الخطاب عند المستوى الداخلي
والمعنى توافق مع المعنى الخاص بالسديم الذي هو مجموعة من الغبار الكوني في محتوى غازي
فتصبح هذه النظرة مسقطة على هذه المكابدة الحياتية والألم الذي تم تصوير بهذا الغبار الكوني وتلك الأنفاس الحراء بهذه الغازات المحيطة به في تعبير مبهر عن لواعج تلك الذات ...
من ثم يأخذنا السياق إلى السببية فها هي الفقرة الثالثة:
غفا عنه طلق المخاض
ما بين نهد أعجف
وقاع بطن ... مسافة
خاوية مساكنها...
وهي تتناول سبب بقاء نتاج الفكر ساكناً في مرحلة اللاوعي مسنداً ذلك إلى سببية متعلقة بالجانب الروحي المشار إليه بـ (نهد أعجف) الذي قد يحتمل رمزية للمرأة وقد يحتمل رمزية للنضوب والعجز.
وأخرى مادية متمثلة في المحيط أو البيئة التي هي الإطار الذي يحتوي التجربة ويفرزها تفاعل صاحبها مع تلك البيئة فيترجم تعاطيه وتفاعله معها عبر نتاجه الفكري ولغته المدلول المعبر عن الدوال الناتجة عن سلسلة معقدة أحد أطرافها هو
( غفا عنه ....طلق المخاض )
لنراها بعين اليقين إطلالة ألم على حلم غير قابل للتحقق في وضعية تصويرية تربط في مهارة ما بين المعنى الخاص بالميلاد ونقول الحلم كحقيقة والتنويه عن عسر المخاض في تلميح تصويري بالغفوة وضع الأمر ما بين إمكانية الحدوث وعدمها في ظرفية الإفاقة ووقت حدوثها
ثم إتاحة الظرف الحياتي ما بين عجاف الأماني ( نهد أعجف ) وهو مع الترتيب الطبيعي للجسد يصبح الأعلى كما السماء ، وقاع البطن الذي يعني حضور مكاني حياتي لمسرح الأحداث وتلك المسافة التي تفصل بينهما هي زمانية الفكرة في إسقاط على الرحم الذي يسكن ما بين أسفل النهد وقاع البطن وهو كمسكن خاوي في سوداوية تشي بتلاشي الحلم
وتقويضه ...
وآخرالمطاف الفقرة الأخيرة:
ابتلع الجِنّ القربان
ليذوب ويتلاشى الأثر
والمذبح يبكي .....
..... ولا عزاء لمحراب
فارَ تَّنُّوره فأغرق
النُسَّاك ..
نصل إلى النتيجة أو خلاصة التجربة الماثلة من السياقات السابقة (الفقرات)
وتستَهل هنا بإسقاط رمزي تاريخي يستدعي الموروث الميثولوجي المتعلق بالشعر كحالة وجدانية لها ارتباطها بالميتافيزيقا أو العوالم الأخرى باعتبارها الحاضنة المنشأ لمادة الشعر أو الخيط الرابط بين مرحلتي اللاوعي والوعي المنتج للفكر في صيغته الشعرية....
بالتمعن نلاحظ النتاج في غير موسمه يؤدي إلى ضياع ما هو أجدر بإنتاجه ونظراً لتدني التشكل وإفراز الوعي في صورة أجنة مشوهة فإن مصيرها الهلاك والموت حتى وإن شهدت الحياة.
هنا تكثيف للإسقاطات المتظافرة من مفردات منظومة عقدية فكرية وفلسفية جسدتها طقوس تصور مراسيم موت وانذواء تجربة لم تجد غير جلد الذات طريقاً للتعبير عنها...
خلاصة النص الذي أمامنا هي عصارة تجربة ذاتية اتخذت من الفراغ إطاراً كللت بطوفان أغرقها كنتيجة حفظت لمادته توازنها بين البداية والمصير والمسار والمآل...
أنموذج يحمل في طابعه وأسلوبه سمات المدارس الأدبية الحديثة المتأثرة بالتيارات والمدارس الغربية التي تعتقت من الأطر التقليدية القديمة التي أغرقت الجوهر في مدلهمات انبعاج اللغة وترهلها فمنحتها فرصة الإنبثاق مجدداً والتحول إلى ما يتواكب مع المعطيات الحالية....
خالص التحايا للشاعر والناقد المتألق والقدير الأستاذ هشام صيام

قراءة : مرشدة جاويش

» فوق أوتار الحروف : بقلم الشاعرة مرشدة جاويش
» إلامَ - مرشدة جاويش
» انا الشعاع - مرشدة جاويش