موضوع: كنتُ جميلةً فيما مضى - مريم الاحمد الجمعة يونيو 26, 2020 9:08 pm
كنتُ جميلةً فيما مضى.. ....... لعلّك كنتَ العاشق في قصائد لوركا! الثائر في أراضي اسبانيا! القائد في مخيلة غوركي.. الأبله الأذكى في رأس ديستوفسكي!!! قلتَ لي.. اقرئي يا مريم!.. ابدئي بالأدب الروسي.. لخصي لي كتاب انفجار المشرق العربي.. سجلي لي محاضرة الياس مرقص.. ذكريني باسم كاتب.. المسيح يصلب من جديد.. .. اسمعي سيد إمام.. اقرئي أدونيس و السياب.. ترجمي لي قصائد بودلير.. و ريلكه.. ارحلي مع رامبو.. و كافكا.. اقرئي هيكل.. فأنتِ صحفية قبل كل شيء! .. و نهلتُ.. و بكيتُ.. على غولساري.. و على راسكلنيكوف.. بكيت لأجل جين عندما هربت من قصر حبيبها.. بكيت طويلاً.. في الليالي البيض.. توقف قلبي في المراهق.. ارتقيتُ درجات في " صورة الفنان في شبابه" و لا زلت أصرخ في العاصفة مثل الملك لير إذ طردته بناته.. أنا كورديليا المسجاة بين يديه.. أنا جولييت تحت الماء.. أنا صوفيا الآثمة التي تابت.. أنا المجدلية.. أنا التي تلتهم الكتب الآن.. و تسرح و تبكي.. و تختنق.. و تحلم و تتخيل.. التي يفور صدرها بالحب و دماغها بالخيال و روحها تفيض محبة تغمر العالم.. و عيونها تستحضر آلاف الصور في الدقيقة.. أنا.. التي أضاعت أجزاءها.. أبحث.. في اوبرا بوتشيني.. في موسيقى شوبان.. أرقص على موسيقى.. بحيرة البجع.. لا مشكلة بالوقوف على رؤوس الأصابع.. فأنا بجعة مسحورة..! .. كل ذلك...... لألمح وجهي القديم.. يا جين!! انتظري! سأهرب معكِ غداً في الفجر.. سأترك القصر.. و أنسى حقيبتي في العربة.. سأتلوّى من الجوع و العطش.. سأموت معك في السبخات المالحة..!
..... هل أنت... ؟ بائع قهوة في الجزائر.. أو خبز في اليمن! هل أنت راعي مواشٍ في السودان! أم حلاق القرية في حنا مينا؟ .. أتشرب القهوة؟ أم لم تعد ضليعاً بأنواع الشعر.! أتسمع الموسيقى؟ أم أن الوقت ضيق.. و الأنغام شاسعة! أتقرأ كتاباً.. أم أن الرفوف سقطتْ.. على رأسك.! .. و اليوم! هل لا زلتُ جميلة بنظرك! هل تقرأ وجهي كما تحب! أم أن رفوف الكتب مليئة بأسرارك الخاصة.؟ أتشرب مشروباً بارداً؟ أم أنك شديد الانشغال.. كسنجاب فوق كومة جوز! هل تصغي لخفق قلبي؟ أم هو تعذيب إضافي لقلبك؟ .. ما بالك ترشدني لاحساسي الأول! تدرّسني قواعد الأدب و اللياقة! تطلب مني ألا أشطح و ألا أحرك يديّ و أنا أنفعل للحد الأقصى.. في وصف شيء يفتنني! تقول لي.. لا ترفعي صوتك كثيراً الناس ليسوا " طرشاناً" اليوم رفعتُ صوتي.. وقفت أمام زميلاتي.. و ألقيت محاضرة طويلة عريضة..! عن الأنثى الإلهة.. الجبارة عن نبع الحياة.. كانت عيونهن فارغة مقتولة.. بلا بريق.. إحداهن هزت رأسها بأسف.. و تابعت عملها.. مثل الرجل الآلي.. رفعتُ صوتي أكثر.. لم يسمعني أحد..!
..........
هذا فنجان قهوتي السابع لليوم! أتنفس بعمق! كدلفينة سعيدة. بمائها! أستمع للأغاني الصينية القديمة.. كلبوةٍ في السيرك! تقدم عرضاً بائساً.. يتفرج عليها أطفال يضحكون.. يخافون.. يهلعون! لا أحتاج على الأقل لبطاقة دعوة! َمكتوب على جبيني.. " خطيرة جداً" .. مرّةً نسجتُ لك كنزةً صوفية.. بلون الماء.. كي تغرق فيها.. كي تسمع خفق الموج.. كي تشمّ ملوحة البحر.. كي تمدّ رأسك لبحيراتٍ ما بعد الكون! و تنجو.. .. تمسّك جيداً.. كي أنجو معك.. لا تدع أصابعك تفلتني.. فالهاوية باردة.. و ما من كنزة صوفٍ لي! تمسّك.. تمسّك..