دراسة نقدية لقصيدة "صرخة وجع "
للروح الراقية في الأدب الفلسطيني
المتألقة نجلاء جميل
........................
القصيدة
** صرخة وجع **
عندما يتمزق الثوب
يتعرى ويبرد الجسد
وتموت في أطرافه
كل الأحاسيس بشيخ كان أم ولد
ويصرخ من نوافذه العُري
كما يصرخ المسجون إذا انجلد
ويغيب كل بريقه
وتضيع فوق سراب الريح أشلاؤه
كل منها في بلد
أهو الفقر .. أهو القهر ..
أهو الشقاء .. أهو الظلام في الأبد
فالعين يخبو بريقها
لو ريفها دناه مرض الرمد
ذاك الشريد .. ذاك الطريد
تلك العنيدة والصغيرة والضفيرة في مسد
والكل في هذي الحياة بذّار بها
والكل لو .. بذرا أصيلا زرعه
كان خيرا جَنيُه حتى ولو.. ليلا حصد
..............................................
الدراسة النقدية........
إذا كانت الكتب تُفهم من عناوينها فعنوان هذا النص يختصر المضمون بكل أبعاده
فالوجع في أحشائه والصرخة لسان حاله فهذا الوجع تنسجه أحاسيس مرهفة ومشاعر إنسانية ينبض بها القلب ،وصدق العاطفة ...
لتخاطب القلوب النابضة بكل القيم الإنسانية الراقية
فقد تواتر العنوان الصرخة والوجع بألفاظه الصريحة /يصرخ ،او بكلمات دلالية /يتمزق ،تموت ،الجلد ،اشلاؤه ،القهر ،الشقاء ،العين يخبو بريقها ،
والصرخة والفقر هما التي وصفتهما الشاعرة وصفا ذاتيا وجدانيا وقد هيمنت عليه مفردات الفقر المعجمية بأسلوب فني متقن
في جسد يتعرى يكسوه الفقر بكل ألوان الالم ...
..............................
بناء النص :
لقد بني النص على ثلاث اقسام تعبيرية :
الحركة الاولى :من بداية النص الى كل منها في بلد ...
ففي هذا القسم تم توصيف الحالة حيث هيمن عليها الوصف المتحرك بواسطة الأفعال المصارعه / يتمزق الثوب ،يتعرى يبرد الجسد ،تموت في أطرافه ،يصرخ ،يغيب ،تضيع فوق أسراب الريح ....الخ
ففي هذا الوصف نرى المشهد أمامنا نابضا بالحركة الإبداعية المتقنة...
الحركة الثانية:
(من اهو الفقر إلى والصغيرة في مسد)
هنا تقدم الشاعرة تحليلا مقتضبا لأسباب تلك الصورة المأساوية
عن طريق التساؤل الانفعالي :
أهو الفقر ؟ أهو القهر ؟ أهو الشقاء ؟ أهو الظلام ؟
ثم تعود في حركة لافتة لترسم للقارىء نتيجة ذلك :
(فالعين يخبو بريقها ،والضفيرة في مسد )
الحركة الثالثة :
تقدم حلا للمشكلة
حلا يمكن الركون إليه لعلاج هذه المشكلة المؤلمة يرتكز بالاعتماد على الذات وهو الزراعة
فالكل لو بذرا أصيلا زرعه ...
وهنا يستحضر القول المأثور ويل لأمة تأكل مما لا تزرع ...
.............................
عناصر العمل الأدبي في القصيدة :
1_الفكرة ؛ موضوع القصيدة بالغ الأهمية فهي تعالج قضية إنسانية اجتماعية يعاني منها المجتمع كله فهي تحمل هما من جهة
ومن جهة أخرى تقدم حلا بالاعتماد على الذات من خلال الزراعة
وما توفره من غنى واكتفاء بعيدا عن الحاجة والإذلال
2_العاطفة والرؤيا الشاعرية :تبدو الشاعرة من خلال كلماتها إنسانة واعية مدركة تحركها تتفاعل في جوهرها احاسيس ومشاعر مرهفة ونبيلة
بحيث أنها تعاني من صورة المشهد المؤلم وصورته تصويرا انفعاليا وجدانيا ببالغ التأثر والتأثير
فالوجع ينتابها والصراخ لسان حاله وهو ينبض في أحشاء النص كله
3_ خصب الخيال :
للخيال حضور لافت في أرجاء القصيدة فالرؤيا الشاعرية رفدته بالصور فجاءت متواترة تدل على خصب الخيال وغناه واتساعه ومنها :
الاستعارات، تموت كل الاحاسيس ،يصرخ من نوافذ العري ،تضيع فوق الريح اشلاؤه ،العين يخبو بريقها
التشبيه :
كما يصرخ المسجون ...
4_ الأسلوب :
بدا لافتا أن الشاعرة عبرت عن أفكارها بأسلوب متقن
فصورت المشهد القاتم بلون الابداع وطغت جمالية التعبير على ضبابية الصورة المظلمة
فكانت ألفاظها قريبة من المألوف مغلفة بالسهل الممتنع
فالألفاظ بنوعيها الصريحة والدلالية حاكتها على نول البراعة والإتقان
وزينتها الصور الجمالية التي أضفت على المشهد لونها الساحر
5_الايقاع :
للموسيقى وجهان
أ_خارجي
القافية : نلاحظ اغلب الأبيات ارتكزت على روي الدال الساكنة /الجسد،ولد ،انجلد،بلد،الابد،الرمد
مسد ، حصد ...
وهذا من أهم مرتكزات الموسيقى الخارجية
ب: الموسيقى الداخلية:
الصور البيانية وتواترها
التكرار من خلال الاستفهام المتكرر تعبيرا عن الانفعال
الطباق والترادف :الشريد الطريد
................
تعكس هذه القصيدة شخصية صاحبتها
فالشاعر والإنسان كانا فيها واحدا
فكانت تحيا في الشعر فنانة مبدعة وكان الشعر يعيش فيها حاملا هما وقضية إنسانية
انها الواعية المدركة المثقفة التي ترى في الفن والأدب وسيلة للتعبير عن قضايا راقية
فهي بمثابة الطبيب الذي يكتشف العلة ويقدم لها العلاج
فجاءت كلماتها تجسيدا لم تؤمن به وصورة لجوهرها الإنساني النبيل
للكاتبة المبدعة نجلاء جميل كل التحية
ليلى 20/1/2020