دراسة نقدية تحليلية لنص صباح بلون عينيك للشاعرة نبيلة الوزاني

Admin عدد المساهمات : 2717 تاريخ التسجيل : 26/02/2009

كل السعادة والفخر لحرفي البسيط أن نال من خلال النص التالي
المركز الأول في مسابقة ياسمينية احتضنها الملتقى الأدبي الراقي جدا
( حديث الياسمين )
وكانت الجائزة هي هذه الدراسة النقدية المميزة التحليلية المستفيضة
التي حظي بها هذا النص
والتي نقّبت عن جمالياته وأظهرتها للنور من خلال حنكة بارعة الاستشفاف لأدوات النص و وغوص ماهر في عمق الصور التي تضمنها هذا النص البسيط ...وهكذا شاعرنا القدير الأستاذ ينسكب تحليلك فاره الخبرة نيّر الفهم على حروفي المتواضعة مطراً ضوءاً .
لهذه الالتفاتة الغالية المشرقة بساتين امتنان وتحيات بشذا الياسمين ...لك الفرح وخالص التقدير وأزهار عرفاني

النص:

صباحٌ بلون عينيك
-------------------
يا عبق الحنين
يا ظلّيَ المختفي
خلف عتبات الزمن
بحرقة كلّ آهٍ
سكنتْ في تجاويف العمر..
بلوعة ألفِ انتظارٍ
خذلتهُ أرصفةُ وعودٍ
تخلّت عنها مصابيحُها...
بفراغ السنينِ المسلوبةِ
من ذاكرة الفرح المنسيِّ
على رفوف الغربة...
بكل اعتذارٍ
راوغتُ به نفسي
بكل بسمةٍ كفيفةٍ
منذ اجترَّني الألم...
بهذا الإعصارِ
من الجنونِ
أحببتك...
أيّ صباحٍ يُلوّنُ أغنياتي
سوى عينيك؟
~~~
يا طفليَ الكبير
أيّ نهر
إلى بحرك يحملني
أيّ مَرسى
تحضن مرساة شتاتي؟
أيّ سماء
ترسلُ شمسك لتدفئني؟
رغم ضلوعِ الوجع
أحبك أكثر
النسيانُ عن خيباته معي
يسألني
فكيف أنساك
والتّوق إليك يشربُني؟
~~~
أريجُ ماضٍ
تعبق به وسائد الحنين
أيقظَ
الذكرياتِ الغافيةِ
في صندوقِ
ذاكرةِ العمر
الأمسُ سكونُ الأمنياتِ
وذبولُ النرجسِ
في أغصان الشجن
تعالَ نُفلتْ
من قبضة الليل
قبل الشفقِ بنسمة...
آحبيبي
لياليَ الباردة
تحتمي بإشراقتك
أنت الصباح الذي
حلمتُ أن أرتديَ عطرَه
تعالَ نكتبْ قلبيْنا
أغنيةً وقصيدة
تفكّان ضفائرَ الصمت
~~~
أنت وأنا
أقصوصةُ حنينٍ
عالقة ٍفي تخومِ
ماضٍ
ما تزالُ
أقاحي فجرِه
ترنو
إلى فراشاتِ ضوءٍ
تُدثّر بَردَه....
أنا وأنت
زمن هاربٌ
من حنجرة الشتاء
وفيضانِ العتمة...
من بين إغفاءات الليلِ
نسرق قطعةَ لقاءٍ
وحفنة فرح...
~~~
ما يزال العناق ممكنا
التقينا أمنيتيْنِ
في مهبّ الطريق
تلبَسنا رعشةُ أمل
تحارب هبوبَ الخريف
باسطةً للحلمِ
أجنحةً من ضوءِ
لشمسٍ تشرق قبلاتُها
على جبين الوقت
لتمحو
ملامحَ الغياب
،،،
نبيلة الوزاني.
--------------

الدراسة النقدية للنص :

صباح بلون عينيك نثرية غزيرة المشاعر والتدفق اللغوي الساحر عبر الثالوث الإبداعي ( اللغة والخيال والعاطفة ) وتم الاشتغال عليه عبر العرض الشعري والمجاز الهادئ الذي يريح الأعصاب
وتوحد مع ايقاع أغنية المسابقة بشكل كبير فهو عزف نبض بطعم الشجن والتذكار وحرائقه
وكان أيضاُ من سمات هذا النص والتدرج الايقاعي والدلالي و أدب الاشتياق و خجل العطر
و انصهر كل ذلك في قوالب شعورية ممتعة جداً حيث خلا النص من أي مطبات شعورية أومفردة أو جملة أو صورة شاذة أو مزعجة وهذا ما أدى إلى التناغم والانسجام مع الفوران النصي الذي تدفق واستهدف عفوية المشاعر وعمق الصورة الشعورية في آن واحد .
النص يبدأ باستحضار الحبيب عبر عنوانه ( صباح بلون عينيك ) وانتهي بملامح الغياب في صياغة حاذقة أنه البداية والنهاية ،وكم راق لي عنوان النص بمافيه من لغة ايحائية فهنا وكأنها تخاطب محبوبها أو ترد عليه أو تلقي عليه تحية الصباح رغم أن له ملامح الغياب وكان الغائب الحاضر .
يا عبق الحنين
يا ظلّيَ المختفي
خلف عتبات الزمن
بحرقة كلّ آهٍ
سكنتْ في تجاويف العمر
بلوعة ألفِ انتظارٍ
خذلتها أرصفةُ الوعود
وتخلّت عنها مصابيحها
بفراغ السنينِ المسلوبةِ
من ذاكرة الفرح المنسيِّ
على رفوف الغربة
بكل اعتذارٍ
راوغتُ به نفسي
بكل بسمةٍ كفيفةٍ
منذ اجترَّني الألم
بهذا الإعصارِ
من الجنونِ
أحببتك
أيّ صباحٍ يُلوّنُ أغنياتي
سوى عينيك؟
هنا كانت المحطة الاستهلالية للنص ونلاحظ أنها الأطول نسبياً وهذه دلالة على انشغال أوردة الساردة به وأنه لم يكن محض طيف بل الغائب الحاضر الذي أنهك السطور بطول النداء فكانت أدوات الاتصال به والاستغاثة ( يا عبق الحنين / يا ظلي المختفي ) ونلاحظ جمال المشاهد الشعرية هنا فقد بدأت بعبارة صباحية
وانطلق النص من الداخل إلى الخارج أو من قلب الساردة إلى العوالم الخارجية (عتبات / تجاويف / أرصفة / مصابيح ) وكأنها تبحث هائمة على حنينها تبحث عنه في شوار ع الفقد وهذا التوحد الدلالي والقاموسي للمشهد الشعري الذي استحضر لغة الفقد والتجسيد المكاني فكل ماحولها يسأل عنه ويذكرها به
وصاحب ذلك تنويع الجملة الشعرية فظهر حرف الباء للقسم وللربط المحكم بين المشاهد والانتقال من حالة إلى أخرى بذات النغم الشجي ( بلوعة / بكل اعتذار / بكل بسمة كفيفة )
ونلاحظ عبقرية الرمز هنا وحسن توظيفه وقابلته للعتبير والتواصل مع المشاهد التي سبقته في قولها
(بسمة كفيفة ) وهنا وظفت الضدين الابتسامة والفرح يقابله الألم و العتمة و كآبة الحزن
وهذا الاسقاط الشعوري يمثل حالة الساردة الوجدانية فهي بسمة كفيفة تبحث عنه في شوراع الذكرى
وما أروعها هنا (منذ اجترَّني الألم ) أي أن الألم هنا لا بديل لها سواه
أي عاشقة تعيش فقط على الألم ، الألم في طبيعته يؤدي بديمومته إلى الهلاك حتماً
وهنا كانت التورية الشعرية بين المعنى الظاهر والخفي فالألم هنا - و في المعنى الخفي - جاء بمعنى عكسي تماماً إذ أنه مصدر للطاقة الشعورية وحياة النبض بل واستمراره لا هلاكه
أي روعة هذه ؟؟
معنى عميق جداً وفلسفي كشف عن طبيعة تكوين الشاعر وطرح جدلية السؤال هنا هل الشعر والعاطفة مظهر من مظاهر التعاسة أم هي وسيلة للنعيم الحياة !
وهذا العمق الدلالي نجده هنا وبكل رحابة ، رغم انه نص رومانسي وهذا نضوج فني يحسب لشاعرتنا
وقد يمر عليه عابر السطر وبكل أسف دون أن يشعر بأنين السطور هنا وعمقها !
أنت وأنا
أقصوصةُ حنينٍ
عالقة ٍفي تخومِ
ماضٍ
ما تزالُ
أقاحي فجرِه
ترنو
إلى فراشاتِ ضوءٍ
تُدثّر بَردَه....
أنا وأنت
زمن هاربٌ
من حنجرة الشتاء
وفيضانِ العتمة
من بين إغفاءات الليل
نسرق قطعةَ لقاءٍ
وحفنة فرح
.....
الأمسُ سكونُ الأمنياتِ
وذبولُ النرجسِ
في أغصان الشجن
تعالَ نُفلتْ
من قبضة الليل
قبل الشفقِ بنسمة
آحبيبي
كل لياليَ الباردة
تحتمي بدفئك
أنت الصباح الذي
حلمتُ أن أرتدي ضوءَه
تعالَ نكتبْ قلبيْنا
أغنية وقصيدة
تفكّان ضفائر الصمت
وهنا كانت المحطة الثانية للنص والمتوهجة شعرياً بل لحظة تمام فوران المشاعر ومنتهى الاشتياق
ونلاحظ بداية هذا المقطع بما فيه من دلالة صياغية على تمام ذلك الاحتياج للحبيب
فبدأت هذا المقطع ب(أنت وأنا ) وهذا يشير دلالة الرغبة الملحة في اللقاء وتمنى ذلك ولو على الورقة
ستجمعهما وإن فرقتهما الحياة !!!!
وهنا لمست العمق الرمزي أيضاً ، فحكاية العشق هنا تتعلق بالخلود والبقاء رغم أنف الظروف و المسافات
وهذا معنى حكيم ومهذب وموجع في نفس الوقت للتعايش مع الألم لأننا نفهم منه كيف أن ذلك الألم وسيلة للحياة ، بين (هو وهي ) وهي بذلك تعيدنا لزمن الأساطير فأروع قصص الحب لمن حُرم عليهما القاء وهنا حكايا ت العشاق ومكمن أسرارها .
واستحضرت أيضاً شاعرتنا لغة التجسيد الفذة في قولها ( أقصوصة حنين ) ، ( حفنة فرح ) دلالة على الفقد والضياع و القابلية للفناء يقابله الرغبة في بعض الفرح وإن كان حفنة وكذلك (ضفائر الصمت )
ومن هنا نجحت شاعرتنا في رسم المشاهد الشعرية واستدعاء القاموس الزمكاني له (الشتاء / العمة / ليالي باردة )
يقابله (الدفء / الضوء ) بل هو مصدر لهما ، واستمرار حالة الصراع الشعوري واحتدامه :
تعالَ نُفلتْ
من قبضة الليل
قبل الشفقِ بنسمة
أي روعة هذه ؟
ونلاحظ فوق هذا تكرار النداء والطلب ( تعال ،آحبيبي ، تعال ) وهذه لمسات حية للعاطفة ودلالة على شعوذة العطر ونفوذ النداء وقدرته في الانتقال عن بعد وعبر تردد القصيدة .
يا طفليَ الكبير
رغم ضلوعِ الوجع
أحبك أكثر
ما يزال العناق ممكنا
التقينا أمنيتيْنِ
في مهبّ الطريق
تلبَسنا رعشةُ أمل
تحارب هبوبَ الخريف
باسطةً للحلمِ
أجنحةً من ضوءِ
لشمسٍ تشرق قبلاتُها
على جبين الوقت
لتمحو
ملامح الغياب ........
وهنا كانت المحطة الختامية وافراغ حمولة النص واستهلتها بالنداء ( يا طفلي الكبير ) وهذا نضوج لمشاعر الأنثى التي تعرف طبيعة الرجل الحقيقية وأنه ماهو إلا طفل كبير وهنا أيضا هي الحبيبة و المأ ودفء العطاء وكان هذا كله مقترن بالاقرار والاعتراف ( أحبك أكثر ) وهذه الصياغة لم تكن رمية عبثية بل كانت تأكيد على ما سبق عرضه من مشاهد اللوعة
وكأنها كانت تحضر فيها للحظات الاعتراف ولتكشف طبيعة كل منهما :
التقينا أمنيتيْنِ
في مهبّ الطريق
تلبَسنا رعشةُ أمل
تحارب هبوبَ الخريف
الأمنية غير الحقيقة أو الواقع أو بمعنى أدق دلالة لشيء ما لم يتحقق بعد وهنا منتهى المعاناة و الأنين بل تمام الصراع مابين القبول والرفض فهل قصة حبهما هي مجرد أمنية أم حقيقة ؟
إنها حقيقية بدلالة قبلات الشمس وهذا معنى رمزي فالشمس ماهي إلا كل الحيقيقة الساطعة والقبلات دليل وجود بل وتحقق تلك الأمنيات وأنها قدرة بهذا الوصف محو كل ملامح الغياب !
حقيقة نثرية فاخرة عاشت في جو أغنية المسابقة و جديرة بالتتويج
و نموذج أوفى لهندسة البناء الشعوري وفنون الربط والاختزال واللغة الومضية الملكية دون التكلف أو الشطط والرسم بالنبض خارطة القصيدة
فكما قلنا مراراً الشاعر يعرف متي يتحدث ومتى يتوقف عن الحديث وعند اكتمال رسائل النص.
ومن جماليات هذه النثرية الترابط والخيال السخي والتجسيد والمقابلات الشعرية وعبقرية مداد السهل الممتنع والتوظيف الحاذق الناعم .
مبارك لكِ شاعرتنا العزيزة
دمتِ نجمة ساطعة في سماء الياسمين
محبتي والنيّل &

» صباحٌ بلون عينيك - بقلم نبيلة الوزاني
» نبوغُهُم - نبيلة الوزاني
» صدى تغريبة - نبيلة الوزاني