وهو جالسٌ يرتشفُ قهوته السادة ويَسحبُ بين الرشفة والرشفة نفساً عميقاً من سيجارتهِ التي كانت له نعم الرفيقة؛ مرتْ من أمامه، تختالُ في مشيتها، نظراتهُ ظلتْ تلاحقها، أعادته رؤيتها أربعين عاماً إلى الوراء :
مَنْ هذه التي أمامي ؟!
لا أعرفها،هل هذه العجوز زوجتي ؟!
أين اختفت تلك الفراشة الملونة التي كانت تملأ أيامي بهجةً وسحراً ؟!
أين الزهرة اليانعة التي كان عبيرها يملأ أنفاسي ؟!
حبيبتي، كيف استعمر الزمن جسدكِ الممشوق ؟!
كيف انتصرَ على جمالكِ ؟!
أين اختفى ذلك الشعر الحريري الأسود ؟!
كيف هان عليه أن يستبدله بهذه الخصل البيضاء ؟! وهذه الرقبة، كيف زحفتَ عليها التجاعيد هكذا ؟!
أما هذه النهود الثائرة؛ فلا أعلم كيف ألقت سلاحها هكذا واستكانت ؟!
لا لا !! هذه ليست زوجتي، هذه امرأة أخرى، امرأة ببطنٍ مترهلة، أما امرأتي فقد كانت تملكُ أنحفَ خصر، أجملَ بطن، بطنٌ لي معها ألف حكاية وحكاية وتلك اليد الرقيقة الناعمة ، كم كنت انتشي وأنتِ تلامسينَ بها خدي !!
يا للأيام القاسية !! لم تترك بوصة واحدة في جسدك لم تعبث بها !!
متى رحلَ ذلك الجسدُ البض الجميل ليحل محله جسد هذه العجوز المترهلة ؟
أين فرتْ امرأتي ؟
أيتها السنون اللعين